Sunday, May 12, 2019

أعطني الناي وغنِّ.. وانسَ داًْء ودواء - Gibran -


- Home -
ليس في الغابات حزنٌ.. لا ولا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ.. لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس إلا.. ظلُّ وهمٍ لا يدومْ
وغيوم النفس تبدو.. من ثناياها النجومْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الزمنْ
*
هل تخذتَ الغاب مثلي.. منزلاً دون القصورْ
فتتبعتَ السواقي.. وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ.. وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً.. في كؤُوس من أثير
هل جلست العصر مثلي.. بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ.. كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ.. ولمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ وهي عطرٌ.. ولمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً.. وتلحفتَ الفضا
زاهداً في ما سيأْتي.. ناسياً ما قد مضى
وسكوت الليل بحرٌ.. موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ.. خافقٌ في مضجعكْ
*
أعطني الناي وغنِّ.. وانسَ داًْء ودواء
إنما الناس سطورٌ.. كتبت لكن بماء
ليت شعري أي نفعٍ.. في اجتماع وزحامْ
وجدالٍ وضجيجٍ.. واحتجاجٍ وخصامْ
كلها إنفاق خُلدٍ.. وخيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ.. فهو في بطءٍ يموتْ
*
لَيسَ في الغاباتِ مَوتٌ لا وَلا فيها القُبور
فَإِذا نيسانُ وَلّى لَم يمُت مَعهُ السُّرور
إِنّ هَولَ المَوتِ وَهمٌ يَنثَني طَيَّ الصُّدور
فَالَّذي عاشَ رَبيعاً كَالَّذي عاشَ الدُّهور
أَعطِني النّايَ وَغَنِّ فَالغِنا سِرُّ الخُلود
وَأَنِينُ النّايِ يَبقى بَعدَ أَن يَفنى الوُجُود
*
أَيّها الشَّحرُورُ غَرّد فَالغِنا سرُّ الوُجود
لَيتَني مِثلكَ حرٌ مِن سُجونٍ وَقُيود
لَيَتني مِثلكُ رُوحاً في فَضا الوَادي أَطير
أَشرَبُ النُّورَ مُداماً في كُؤوس مِن أَثِير
لَيتَني مِثلك طهراً وَاِقتِناعاً وَرضى
مُعرِضاً عَمّا سَيَأتي غافِلاً عَمّا مَضى
لَيتَني مِثلُكَ ظرفاً وَجَمالاً وَبَها
تبسطُ الرّيح جَناحي كَي يُوشِّيهِ النَّدى
لَيتَني مِثلُكَ فِكراً سابِحاً فَوقَ الهِضاب
أسكبُ الأَنغام عَفواً بَينَ غابٍ وَسَحاب
أَيُّها الشّحرورُ غَنِّ وَاِصرف الأَشجان عَني
إِنَّ في صَوتِكَ صَوتاً نافِخاً في أُذن أُذني

**

No comments: